سورة الإسراء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}
{وَءاتِ ذَا القربى حَقَّهُ} وصى بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما، وأن يؤتوا حقهم: وحقهم إذا كانوا محارم كالأبوين والولد، وفقراء عاجزين عن الكسب، وكان الرجل موسراً: أن ينفق عليهم عند أبي حنيفة. والشافعي لا يرى النفقة إلا على الولد والوالدين فحسب. وإن كانوا مياسير، أو لم يكونوا محارم: كأبناء العمّ، فحقهم صلتهم بالمودّة والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة على السراء والضراء والمعاضدة ونحو ذلك {والمساكين وابن السبيل} يعني وآت هؤلاء حقهم من الزكاة، وهذا دليل على أن المراد بما يؤتي ذوي القرابة من الحق: هو تعهدهم بالمال. وقيل: أراد بذي القربى أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التبذير تفريق المال فيما لا ينبغي. وإنفاقه على وجه الإسراف. وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة، وتذكر ذلك في أشعارها، فأمر الله بالنفقة في وجوهها مما يقرّب منه ويزلف.
وعن عبد الله: هو إنفاق المال في غير حقه.
وعن مجاهد: لو أنفق مدّاً في باطل كان تبذيراً وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر، فقال له صاحبه: لا خير في السرف، فقال: لاسرف في الخير.
وعن عبد الله بن عمرو: «مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أوف الوضوء سرف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار» {إخوان الشياطين} أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمّة؛ لأنه لا شرّ من الشيطان. أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف. أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد {وَكَانَ الشيطان لِرَبّهِ كَفُورًا} فما ينبغي أن يطاع، فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله.
وقرأ الحسن {إخوان الشيطان}.


{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}
وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الردّ {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} فلا تتركهم غير مجابين إذا سألوك.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل شيئاً وليس عنده أعرض عن السائل وسكت حياء. قوله {ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ} إمّا أن يتعلق بجواب الشرط مقدّماً عليه، أي: فقل لهم قولاً سهلاً ليناً وعدهم وعداً جميلاً، رحمة لهم وتطييباً لقلوبهم، ابتغاء رحمة من ربك، أي: ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم. وإما أن يتعلق بالشرط، أي: وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك، فسمى الرزق رحمة، فردّهم ردّاً جميلاً، فوضع الابتغاء موضع الفقد؛ لأنّ فاقد الرزق مبتغ له، فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسبباً عنه، فوضع المسبب موضع السبب. ويجوز أن يكون معنى {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} وإن لم تنفعهم ولم ترفع خصاصتهم لعدم الاستطاعة، ولا يريد الإعراض بالوجه كناية بالإعراض عن ذلك؛ لأن من أبى أن يعطي: أعرض بوجهه. يقال: يسر الأمر وعسر، مثل سعد الرجل ونحس فهو مفعول.
وقيل معناه: فقل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله، على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم، كأن معناه: قولاً ذا ميسور، وهو اليسر، أي: دعاء فيه يسر.


{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}
هذا تمثيلٌ لمنع الشحيح وإعطاء المسرف، وأمرٌ بالاقتصاد الذي هو بين الاسراف والتقتير {فَتَقْعُدَ مَلُومًا} فتصير ملوماً عند الله، لأنّ المسرف غير مرضي عنده وعند الناس، يقول المحتاج: أعطى فلاناً وحرمني. ويقول المستغني: ما يحسن تدبير أمر المعيشة. وعند نفسك: إذا احتجت فندمت على ما فعلت {مَّحْسُوراً} منقطعاً بك لا شيء عندك، من حسره السفر إذا بلغ منه وحسره بالمسألة.
وعن جابر: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس أتاه صبي فقال: إنّ أمي تستكسيك درعاً، فقال من ساعة إلى ساعة يظهر، فعد إلينا، فذهب إلى أمّه فقالت له قل له: إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً، وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة. وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن، فجاء عباس بن مرداس، وأنشأ يقول:
أَتَجْعَلُ نَهْيِبي وَنَهْبَ العَبِيدِ *** بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ
وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلاَ حَابِس *** يَفُوقَانِ جَدِّيَ فِي مَجْمَعِ
وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِيءٍ مِنْهُمَا *** وَمَنْ تَضَعِ الْيَوْم لاَ يُرْفَعِ
فقال: يا أبا بكر، اقطع لسانه عني، أعطه مائة من الإبل فنزلت.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10